فصل: من أسرار القرآن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا}
قوله تعالى: {ضِيَاءً}: إمَّا مفعولٌ ثانٍ على أَنَّ الجَعْلَ للتصيير، وإمَّا حالٌ على أنه بمعنى الإِنشاء. والجمهور على {ضياء} بصريح الياء قبل الألف، وأصلُها واو لأنه من الضوء.
وقرأ قنبل عن ابن كثير هنا وفي الأنبياء والقصص {ضِئاءً} بقلب الياء همزة، فتصير ألف بين همزتين. وأُوِّلت على أنه مقلوبٌ قُدِّمت لامُه وأُخِّرت عينه فوقعت الياء طرفًا بعد ألف زائدة فقلبت همزة على حَدِّ رداء.
وإن شئت قلتَ: لمَّا قُلِبت الكلمة صار ضياوًا بالواو، عادت العين إلى أصلها مِن الواو لعدم موجِبِ قَلْبِها ياءً وهو الكسرُ السابقُها، ثم أُبْدلت الواوُ همزةً على حَدِّ كساء. وقال أبو البقاء: إنها قُلبت ألفًا ثم قُلِبت الألفُ همزةً لئلا تجتمعَ ألفان.
واستُبْعِدت هذه القراءة من حيث إن اللغةَ مبنيَّة على تسهيلِ الهمزِ فكيف يَتَخَيَّلون في قَلْب الحرفِ الخفيف إلى أثقلَ منه؟ قلت: لا غَرْو في ذلك، فقد قلبوا حرف العلةِ الألف والواو والياء همزة في مواضع لا تُحصرُ إلا بعُسْرٍ، إلا أنه هنا ثقيلٌ لاجتماع همزتين.
قال أبو شامة: وهذه قراءة ضعيفةٌ، فإن قياسَ اللغة الفِرارُ من اجتماع همزتين إلى تخفيف إحداهما، فكيف يُتَخَيَّل بتقديم وتأخيرٍ يؤدي إلى اجتماع همزتين لم يكونا في الأصل؟ هذا خلافُ حكم اللغة.
وقال أبو بكر ابن مجاهد وهو ممَّن على قنبل: ابنُ كثير وحدَه {ضِئاء} بهمزتين في كل القرآن: الهمزة الأولى قبل الألف، والثانية بعدها، كذلك قَرَأْتُ على قنبل وهو غلط، وكان أصحاب البزي وابن فليح يُنْكرون هذا ويَقْرؤون {ضياء} مثلَ الناس. قلت: كثيرًا ما يتجرأ أبو بكر على شيخه ويُغَلِّطه، وسيمُّر بك مواضعُ من ذلك، وهذا لا ينبغي أن يكون، فإنَّ قُنْبُلًا بالمكان الذي يَمنع أن يتكلَّمَ فيه أحد.
وقوله في جانب الشمس {ضياء} لأن الضوء أقوى من النور، وقد تقدَّم ذلك في أول البقرة.
و{ضياء} و{نورًا} يُحْتمل أن يكونا مصدرين، وجُعِلا نفسَ الكوكبين مبالغةً، أو على حَذْف مضاف أي: ذات ضياء وذا نور. وضياء يحتمل أن يكونَ جمع ضوء كسَوْط وسِياط، وحَوْض حياض.
و{منازل} نُصِب على ظرف المكان، وجعله الزمخشري على حذف مضاف: إمَّا من الأول أي: قَدَّره مَسيره، وإمَّا من الثاني أي: قدَّره ذا منازل، فعلى التقدير الأول يكون {منازل} ظرفًا كما مر، وعلى الثانى يكون مفعولًا ثانيًا على تضمين {قَدَّر} معنى: صَيَّره ذا منازل بالتقدير. وقال الشيخ بعد أن ذكرَ التقديرين، ولم يَعْزُهما للزمخشري: أو قدَّر له منازل، فحذفَ، وأوصل الفعل إليه فانتصب بحسب هذه التقاديرِ عل الظرف أو الحال أو المفعول كقوله: {والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 39] وقد سبقَه إلى ذلك أبو البقاء أيضًا.
والضمير في {قَدَّرناه} يعود على القمر وحده؛ لأنه هو عمدةُ العربِ في تواريخهم. وقال ابن عطية: ويُحتمل أن يريدهما معًا بحسب أنهما يتصرَّفان في معرفة عدد السنين والحساب، لكنه اجتُزِئَ بذِكْر أحدهما كقوله تعالى: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] وكما قال الشاعر:
رماني بأمرٍ كنتُ منه ووالدي ** بريئًا ومِنْ أجل الطَّوِيِّ رماني

قوله تعالى: {لِتَعْلَمُواْ}: متعلق بقَدَّره.
وسُئل أبو عمرو عن الحساب: أتنصِبُه أم تجرُّه؟ فقال: ومَنْ يدري ما عدد الحساب؟ يعني أنه سُئل: هل تعطفه على {عَددَ} فتنصبَه أم على {السنين} فتجرَّه؟ فكأنه قال: لا يمكنُ جَرُّه؛ إذ يقتضي ذلك أن يُعلم عدد الحساب، ولا يقدر أحد أَنْ يعلمَ عددَه. و{ذلك} إشارةٌ إلى ما تقدم أي: ما خلق الله ذلك المذكور إلا ملتبسًا بالحق فيكون حالًا: إمَّا من الفاعل وإما من المفعول. وقيل: الباء بمعنى اللام أي: للحق، ولا حاجة إليه.
وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو {يُفَصِّل} بياء الغيبة جَرْيًا على اسم الله تعالى، والباقون بنون العظمة التفاتًا من الغَيْبة إلى التكلُّم للتعظيم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
أنوار العقول نجومٌ وهي للشياطين رجوم، وللعلوم أقمار وهي أنوار واستبصار، وللمعارف شموس ولها على أسرار العارفين طلوع، كما قيل:
إنَّ شمسَ النهار تغْرُبُ بالليل ** وشمسُ القلوب ليست تَغِيبُ

وكما أَنّ في السماء كوكبين شمسًا وقمرًا؛ الشمسُ أبدًا بضيائها، والقمرُ في الزيادة والنقصان؛ يُسْتَرُ بمحاقه ثم يكمل حتى يصير بدرًا بنعت إشراقه، ثم يأخذ في النقص إلا أَنْ لا يبقى شيءٌ منه لتمام امتحاقه، ثم يعود جديدًا، وكل ليلة يجد مزيدًا، فإذا صار بدرًا تمامًا، لم يَجِدْ أكثر من ليلةٍ لكَمَالِه مقامًا، ثم يأخذ في النقصان إلى أن يَخْفَى شَخْصُه ويتِمَّ نَقْصُه.
كذلك مِنَ النَّاسِ مَنْ هو مُتَرَدِّدٌ بين قَبْضِه ويَسْطِه، وصَحْوِه ومَحْوِه، وذهابه وإيابه؛ لا فَنَاءَ فيستريح، ولا بقاءَ له دوامٌ صحيحٌ، وقيل:
كلَّما قُلْتُ قد دنا حَلُّ قيدي ** كَبَّلوني فأوثقوا المِسْمَارا

اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن:
للدكتور زغلول النجار
بحث بعنوان:

.من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

(62) {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون}
هذه الاية الكريمة جاءت في بدايات سورة يونس، وهي سورة مكية، اياتها 109 بدون البسملة، وقد سميت باسم نبي الله يونس (علي نبينا وعليه من الله السلام) وذلك لورود ذكره، وذكر قومه، وقبول الله لتوبتهم، ورفعه العذاب عنهم بعد ان كاد يقع بهم، وفي ذلك دعوة للعاصين ان يتداركوا انفسهم بتوبة نصوح الي رب العالمين قبل فوات الاوان...!!
والمحور الرئيسي للسورة يدور حول قضية الايمان بالله ربا، واحدا، احدا، بغير شريك ولا شبيه ولا مناهع، وبالاسلام دينا واحدا، انهله الله تعالى علي فترة من الرسل، واتمه واكمله في بعثة النبي الخاتم والرسول الخاتم سيدنا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم)، والذي لا يكمل ايمان العبد بالله الا ان يؤمن بنبوة هذا الرسول الخاتم وبرسالته، وبالكتاب الذي انهل اليه، وبكافة كتب الله السابقة ورسله وانبيائه السابقين، وبالبعث، والحساب، والجنة والنار، وكلها من ركائه العقيدة الاسلامية.
وتخص سورة يونس الإيمان بالقران الحكيم على أنه ركيهة الركائه في قضية الدين، وذلك بصفته اخر الكتب السماوية، واتمها، واكملها، والكتاب الوحيد من بينها الذي تعهد ربنا (تبارك وتعالى) بحفظه فحفظ كلمة كلمة، وحرفا حرفا بنفس لغة وحيه (اللغة العربية) علي مدي اربعة عشر قرنا او يهيد، والي ان يرث الله تعالى الارض ومن عليها، ليبقي معجهة هذه الرسالة الخاتمة الي قيام الساعة..!!!
واستهلت سورة يونس بالحروف المقطعة الثلاث {الر}، والحروف المقطعة التي جاءت في مطلع تسع وعشرين سورة من سور القران الكريم وتضم اسماء نصف عدد حروف الهجاء العربية الثمانية والعشرين، تعتبر من اسرار القران الكريم التي لم تكتشف بعد، وان كانت هناك محاولات عديدة بذلت من اجل ذلك، وان اكتفي البعض بتفويض الامر فيها الي الله.
وبعد هذا الاستهلال تشير سورة يونس الي القران الكريم بقول الحق تبارك وتعالى: {الر تلك ايات الكتاب الحكيم} (يونس: 1).
ثم تتعجب الايات من استنكار كفار مكة لاختيار الله تعالى لرجل منهم كي يحمل رسالة الله الخاتمة الي العالمين، فاتهموه (شرفه الله تعالى) بالسحر (تماما كما يتهمه كفار اليوم وملاحدته ومشركوه)..!
وتؤكد سورة يونس في سياقها ان ارسال الرسل وانهال الرسالات سنة من سنن الله في خلقه، كما قال (سبحانه) في سورة فاطر مخاطبا خاتم انبيائه ورسله (صلى الله عليه وسلم): {انا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وان من امة الا خلا فيها نذير} (فاطر: 24).
وتؤكد السورة الكريمة ان الله تعالى هو خالق السماوات والارض، وخالق كل شيء، ومن ثم فهو سبحانه المستحق للخضوع له بالعبادة والطاعة وحده لانه (سبحانه) هو الخالق، الراهق، المحيي، المميت، وهو الذي اليه مرجع كل الخلائق، ثم يوفيهم حسابهم كل بحسب عمله في هذه الحياة.
وتستشهد سورة يونس بعدد من ايات الله في الافاق وفي الانفس علي الوهيته، وربوبيته، ووحدانيته، وعلي طلاقة قدرته في ابداعه لخلقه، وكمال حكمته في تدبير كل امر من امور هذا الخلق. وتعرض السورة الكريمة في اكثر من موقع منها الي الفوارق الهائلة بين كل من المؤمنين والكافرين، وبين مصائرهم في يوم الدين. وتصف جانبا من جوانب النفس البشرية في حالات الرخاء والشدة، وتحذرهم من باس الله الذي ياتي بغتة، وتذكر بهلاك اقوام من القرون البائدة لما ظلموا وتجاوهوا حدود ما شرع الله، وتشير الي تلقي كفار قريش للقران الكريم بشيء من الصلف، والكبر، والرفض، والمناواة (تماما كما يفعل كفار اليوم وملاحدته ومشركوه) والي اصرارهم علي الشرك بالله (تماما كما يفعل مشركو اليوم)، وتذكرهم بيوم القيامة، وبحتمية الرجوع الي الله تعالى، وبالوقوف بين يديه للحساب، وتهون من امر الدنيا وتحذر من اهوال الاخرة، وتذكر بان الله تعالى هو رب هذا الكون ومليكه ومدبر امره، وانه (سبحانه) هو الرهاق ذو القوة المتين.
وتعرض السورة الكريمة لموقف مشركي الجهيرة العربية وهو نفسه موقف مشركي اليوم، من رسالة خاتم الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم)، وترد علي الذين ادعوا والذين لايهالون يدعون كذبا ونفاقا وهورا ان الرسول الخاتم هو الذي كتب القران الكريم، مؤكدة ان هذا الذكر الحكيم لا يمكن ان يفتري، اي لا يمكن ان يكون صناعة بشرية، وانه جاء مصدقا لما انهل قبله من كتب سماوية، ومهيمنا عليها بكماله وتمامه وحفظه، وانه يحوي تفاصيل الدين كما انهله رب العالمين، وفي ذلك يرد القران الكريم علي هؤلاء الافاكين باستفهام استنكاري تقريعي يقول فيه ربنا تبارك وتعالى: {أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين} (يونس: 38).
وتؤكد هذه السورة الكريمة ان من الناس من يؤمن بان القران الكريم هو كلام الله الخالق، وان منهم من لا يؤمن بذلك، وان الله تعالى الذي انهله هو اعلم بالمفسدين. كذلك تعرض سورة يونس لمواقف الكافرين من مشاهد الاخرة، وتلوم الذين يتجرأون على الله تعالى بالتحليل والتحريم دون اذن منه سبحانه وتعالى، كما ترد علي الذين يدعون علي الله تعالى انه قد اتخذ ولدا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بهذا الرد الالهي القاطع: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الارض ان عندكم من سلطان بهذا اتقولون علي الله ما لا تعلمون قل ان الذين يفترون علي الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم الينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون} (يونس: 68 70).
ولبيان سنة الله في نصرة المؤمنين واهلاك الكافرين، اوردت سورة يونس جوانب من قصص عدد من انبياء الله وتفاعل اقوامهم معهم من مثل نوح، وموسي، وهارون، ويونس على نبينا وعليهم من الله السلام.
وتختتم السورة الكريمة بتوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمسك بشريعة الله، والصبر علي ما يمكن ان يلقي من اذي في سبيل ذلك، والخطاب موجه الي كل مسلم سائر علي خطي رسول الله، والي كل مسلمة الي يوم الدين، لان هذا الطريق ما سلكه احد الا ولقي من العنت ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ويلقاه الدعاة الي يوم الدين، ولذلك ياتي ختام السورة بهذه الدعوة المباركة:
{قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا عليكم بوكيل واتبع مايوحي اليك واصبر حتي يحكم الله وهو خير الحاكمين} (يونس: 109،108).
والايات الكونية التي استشهدت بها سورة يونس عديدة نوجهها فيما يلي:
(1) خلق السماوات والارض في ستة ايام (اي في ست مراحل متتالية).
(2) ان الله تعالى هو الذي يبدا الخلق ثم يعيده.
(3) {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب}.
(4) له اختلاف الليل والنهار.
(5) هو الذي وهب السمع والبصر وقدم خلق الاول علي الاخرويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويدبر الامر.
(6) وصف الليل بانه للسكن ووصف النهار بانه مبصر.
(7) الاشارة الي مثقال الذرة والي ان هناك ماهو اصغر وماهو اكبر منه.
(8) الاشارة الي نجاة فرعون ببدنه ليكون لمن خلفه اية.
(9) التحدي بالقران الكريم وبعجه الخلق اجمعين عن ان ياتوا بسورة من مثله.
وسوف نقتصر هنا علي مناقشة النقطة الثالثة فقط من هذه القائمة الطويلة، وقبل الدخول في ذلك لابد من استعراض سريع لاقوال عدد من المفسرين في شرح هذه الاية الكريمة.